السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته. و صلى الله على سيدنا محمد ( ص ).
أما بعد :
سبحان الله في معرض قرائتي لسفر إرميا شدتني عبارة غريبة, و ردت في الترجمات الأربع الأكثر شيوعا, سوف أعرضها لكم متتابعة, و هي في العدد الأخير من الإصحاح 51.
الترجمة ******ية :
( 64 وقل: كذلك تغرق بابل، ولا تنهض من الشر الذي أجلبه عليها)). إلى هنا كلام إرميا.
كتاب الحياة :
( 64 وقل: كذلك تغرق بابل ولا تطفو بعد لما أوقعه عليها من عقاب فيعيا كل أهلها».إلى هنا تنتهي نبوأت إرميا.)
الأخبار السارة :
( 64 وقل: كذلك تغرق بابل ولا تقوم من الشر الذي جلبه الرب عليها)). إلى هنا كلام إرميا. )
الفانديك و سميث :
( 64 وَتَقُولُ: هَكَذَا تَغْرَقُ بَابِلُ وَلاَ تَقُومُ مِنَ الشَّرِّ الَّذِي أَنَا جَالِبُهُ عَلَيْهَا وَيَعْيُونَ]. إِلَى هُنَا كَلاَمُ إِرْمِيَا. )
لن أتكلم هنا عن عبارة موجودة في البعض الترجمات و لا توجد في غيرها, و لكن ما شدني هي هاته الجملة " إِلَى هُنَا كَلاَمُ إِرْمِيَا "
أي أن نبؤة إرميا انتهت في هذا الإصحاح. و لكن يستمر السفر بالعدد 52, أي أن كاتبه ليس إرميا. بل شخص آخر.
لمعرفة كاتبه و جب الرجوع إلى الراجع المسيحية في التفسير لكي يتضح الأمر فنجد أن أنطونيوس فكري يقول بالحرف
( التاريخ هو أحسن شارح للنبوات هنا نرى أن كل ما تنبأ به أرمياء قد تحقق. وذلك وحتى نفهم نبوات هذا الكتاب وضع هذا الإصحاح التاريخى الذى يحدثنا عن خراب اورشليم ومملكة يهوذا وعن أحداثه المحزنة. وهو مشابه تماماً لـ (2مل25،24). وهناك حوادث مشابهة لحوادث هذا الإصحاح وضعت بطريقة متفرقة داخل سفر أرمياء ولكنها هنا تم تجميعها لتشرح النبوات السابقة وليعطى مدخلاً ونوراً للمراثى ويكون كمفتاح لها. وقصة رفع مكانة يهوياكين فى سبيه تؤيد رأى من قال إن هذا الإصحاح بقلم كاتب آخر غير أرمياء وقد يكون باروخ أو عزرا. )
يقر صاحب التفسير أن الكاتب ليس إرميا و أن هناك تضارب في تحديد مؤلف الإصحاح.
يذهب المعتقدون بأن عزرا هو كاتب العدد بقوله في سفره :
عزرا 1,1 ( 1 وَفِي السَّنَةِ الأُولَى لِكُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ عِنْدَ تَمَامِ كَلاَمِ الرَّبِّ بِفَمِ إِرْمِيَا نَبَّهَ الرَّبُّ رُوحَ كُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ فَأَطْلَقَ نِدَاءً فِي كُلِّ مَمْلَكَتِهِ وَبِالْكِتَابَةِ أَيْضاً قَائِلاً: )
و نضع التفسير للتوضيح بأن عزرا لم يكتب حرفا واحدا من العدد موضوع البحث :
تفسير أنطونيوس فكري: عزرا 1,1
( عند تمام كلام الرب = إفتتاحية سفر عزرا هى نفسها خاتمة سفر أخبار الأيام الثانى وفى نهاية سفر أخبار الأيام الثانى (2 اى 1:36) ذكر أن مدة السبى كانت 70 عاماً وكان ارمياء النبى قد سبق وتنبأ بأن مدة السبى هى 70 عاماً (أر 10:29) (أر 1:25) وكان النبى أشعياء قد تنبأ بأن كورش الملك هو الذى سيصنع هذا (اش 27، 26:44 + أش 2، 1:45) وكانت نبوة أشعياء عن كورش بالإسم قبل مجىء كورش بحوالى 150 سنة )
لا يظهر أي مؤشر لا في العدد و لا في التفسير يؤيد هاته الفرضية.
و يذهب بعضهم بالقول أن العدد 52 من سفر إرميا هو مقدمة لمراثي إرميا, و لنطلع على تفسير أنطونيوس فكري حول المراثي
التفسير :
( 4ء كاتب سفر المراثى "أرمياء النبى" يرثى أورشليم ويُصور الفظائع التى إرتكبت بواسطة البابليين والآلام التى عانى منها الشعب أثناء الحصار. وبعد أن كانت المدينة كاملة الجمال بهجة كل الأرض أصبحت محروقة ومشوهة. )
يصرح هنا أن الكاتب هو إرميا ذاته, فهو يقر أنه لم يكتب العدد الأخير من سفره و كتب المراثي, لن نعارض هذا الطرح الآن و لكن سوف نبحث عن المراثي في قاموس الكتاب المقدس و لنرى مدى التقارب الموجود بين التفسيرين.
قاموس الكتاب المقدس :
( وموضوع هذا الرثاء هو غزو أورشليم وخرابها والآلام المروعة المرعبة التي قاساها المدافعون عنها في وقت الحصار من جوع وسيف. ويعلن الرثاء في صراحة أن خطايا الشعب كانت سبب الكارثة الدهماء التي حلت به. فما نزل بأورشليم وما أصاب شعبها كان نتيجة حتمية للتمرد على الله وعصيانه. وقد أبدع الكاتب في وصف الحوادث أيّما إبداع بحيث يخيَّل للقارىء أنه يرى هذه الكوارث تقع بأورشليم أمام عينه. وقد اتفق النقاد على أن مراثي أرميا هي من أبدع وأروع ما كتب في العالم من رثاء. وقد يخيّل للقارىء أنها كلمات دبجتها أقلام من نار بمداد من دموع.
ولم يذكر في الكتاب المقدس اسم مؤلف هذا السفر غير أن التقليد جرى على أن أرميا هو مؤلف هذه المراثي. فقد جاء في الترجمة السبعينية، وفي فاتحة هذا السفر هذا القول: ((وكان بعد سبي إسرائيل وخراب أورشليم أن جلس أرميا يبكي ورثا أورشليم بهذا الرثاء وقال)) لذا فقد نسب السفر إلى أرميا من زمن بعيد جداً. وقد أخذت الترجمات القديمة وكتب التقليد كالفلجات والترجوم والتلمود وغيرها بهذا الرأي. وقد اتفق رأي العلماء على أن السفر كتب بعد سنة 586 قبل الميلاد. أي بعد خراب أورشليم مباشرة. ومن يدرس سفر أرميا وهذا السفر لا يمكنه إلا أن يرى بوضوح التشابه العظيم في الروح والأحاسيس والعبارات والاصطلاحات.
وقد ورد في 2 أخبار 35: 25 أن أرميا رثى يوشيا الملك وكن من الواضح انه لا توجد علاقة بين ذلك الرثاء وهذه المراثي. )
يتضح جليا من خلال التفسير السابق أن إرميا لم يكتب هاته المراثي هي أيضا بل هو مجرد تقليد لا ينبني على أساس من الصحة, دون دلائل تاريخية صريحة, فالمراثي لم تكتب في عهد إرميا بدليل أنها كتبت سنة 586 قبل الميلاد,
و قد أورد المفسرون فترة خدمته كالتالي : ( وقد بدأ عمله النبوي في السنة الثالثة عشرة من ملك يوشيا وبقي يقوم بهذا العمل إلى أن أخذت أورشليم في الشهر الخامس من السنة الحادية عشرة من ملك صدقيا(أرميا 1: 2و3). لذا فقد دامت خدمته مدة الثماني عشرة سنة التي حكم فيها يوشيا، والثلاثة شهور التي حكم فيها يواحاز والاحدى عشرة سنة والخمسة شهور التي حكم فيها صدقيا. إذاً فجملة مدة خدمته كانت إحدى وأربعين سنة. وحتى ذلك الحين لم يكن قد توقف بعد عن القيام بعمله النبوي(أرميا ص 42ء 44).
أي أنه عاش مدة قصيرة بعد خراب القدس, و لم يعمر ليصل عمره 586 سنة.
و نرى تضاربا صارخا بين التفسيرين, فأنطونيوس فكري يكاد يجزم بصحة نسبة السفر لإرميا, و القاموس ينفي نسبته له.
و لا يمكن الربط بعد ما سبق بين العدد 52 من سفر إرميا و بين المراثي, و لا يمكن أيضا القول بأنها مقدمة المراثي. و لا القول بأن عزرا هو كاتب العدد52.
فلو وجدوا آنذاك قصيدة أو قطعة من كتاب ما لوضعوه مكان كل هذا و قالوا إنها وحي من الله. ( و العياذ بالله. )
و يبقى السؤال مطروحا, كيف يمكن أن يعتد بكتاب لا نعرف كاتبه, و من تم ينسب لله على أنه و حي.
سؤال مفتوح لكل مسيحي يمكنه الرد.